who we are

In freedom, justice and equality we trust!
we hope to fullfill the dream of a democracy in syria.
Everyone is invited to write something and to share his/her ideas with us. Please write in english, arabic or german only! The owner of the page reserves the right to decide what will be puplished.

Friday, December 9, 2011

في المواطنية.......! د.هايل نصر


لعلنا اليوم, في الوطن العربي, أحوج ما نكون لاستدعاء مفهوم المواطنية وما يجب أن يكون عليه في القرن الواحد والعشرين . خاصة وإننا في مرحلة تحول فرضه الحراك الشعبي, وثورات مواطنين حُرموا من الاعتراف لهم بمواطنتيهم في أوطانهم.


ونرى من المفيد أن نذكّر إننا لسنا بصدد مفهوم حديث ابتكره الغرب للنيل من مفاهيمنا وقيمنا, كما يحلو لمثقفي السلطات الحاكمة ترديده. أو الذين في طريقهم للحكم صاعدين على تضحيات مواطنين عاديين دفعوا دما لينعتقوا من ربق العبودية ومن مفاهيم ما قبل المواطنية. فهو مفهوم شاركت الإنسانية جمعاء في صياغته عبر مسيرتها, من القرون السحيقة والى يومنا هذا.

ففي أثينا القديمة ربطته الحاضرة
Cité ـ الدولة, بجماعية المواطنين وبالقواعد المنشئة لهذه الجماعية. حيث كان المواطنون, في القرن الخامس قبل الميلاد, يمارسون حقوق المواطنة عن طريق مشاركتهم في الديمقراطية المباشرة. فللمواطن المشارك في الجمعية الشعبية أن يتحدث في الاجتماع المنعقد في الساحة العامة بما يراه. ويقرر المجتمعون في تلك الساحة ما يرونه agora وفي جميع شؤون الحاضرة, العام منها و الخاص. الحرب والسلم. إنشاء البنى التحتية. المالية العامة. عقد المعاهدات.القوانين والأنظمة... ويتم تبني القوانين والأنظمة على قاعدة التصويت بالاغلبية البسيطة. فقد كانت تعني لهم الديمقراطية ليس فقط نظاما تمثيليا قائم على الانتخابات, ولكن كذلك على إدارة مباشرة وتصريف للشؤون العامة من قبل الجماعة المدنية. وعليه فقد كانت الحياة اليومية للمواطن العادي مبرمجة بحيث تلتقي فيها واجباته تجاه الحاضرة بالتزاماته الخاصة.

وكانت توزع أعمال الحكومة والإدارة على أعداد كبيرة من الأشخاص عن طريق القرعة ولمدد قصيرة. ولكل مواطن الحق في الترشيح لشغل منصب عام.

فالمواطن في أثينا كان حرا في مجتمع ديمقراطي. والمواطنون متساوون أمام القانون (كان يستثنى في ذلك العبيد والنساء والأجانب). ولم تكن المواطنية تتوقف على ممارسة أعمال السلطات التشريعية والتنفيذية. فقد كان لكل مواطن الحق في أن يجلس في المحكمة للقضاء كمحلف, بعد الإصلاح القضائي الذي أنجزه كليستان . كما كان يتمتع بحقوق وواجبات دينية تمكنه من أن يتقلد مناصب دينية عن طريق القرعة. وكانت تخضع المواطنية لرقابة شديدة فيما يتعلق بالتمتع بها وكذلك بممارستها.

من شروط المواطنية في أثينا, بين القرن الخامس والرابع قبل الميلاد, أن يكون المواطن: 1ـ حرا. والده مواطن أثيني, واعتبارا من صدور قانون بيركلس , ووالدته كذلك أثينية . يربطها بزوجها عقد زواج قانوني.2 ـ بالغ سن الرشد . 3ـ يحمل اسما ثلاثيا : اسمه الشخصي واسم أبيه, ومكان تسجيله.

و بقي مواطنو أثينا متعلقين بشكل وثيق بنظامهم الديمقراطي, و متمسكين باعتزاز بمواطنيتهم إلى أن تمت هزيمتهم أمام الجيوش المقدونية .

أما في عهد الجمهورية في روما القديمة, فقد كان رجل الطبقة الوسطى هو المواطن و كان يستفيد من ميزة هامة هي المواطنية.. وكانت هذه الصفة التي يعتز بها حاملها تسبغ على فئات من الأشخاص أوسع بكثير مما كان عليه الحال في أثينا.

ومع حلول الإمبراطورية وتوسعها, و لمجارات متطلبات تطورها, توسع الاعتراف بالمواطنية لتشمل الأفراد الأحرار في المناطق التي يتم فتحها بهدف إدماجهم في الإمبراطورية, وخاصة بعد صدور أمر كار كالا عام 212 .

وقد ترتب على التوسع التدريجي في الاعتراف بحق المواطنية تقليص مضمونها ومعانيها. لتصبح مجرد هوية وحماية. كما تقلص حق ممارستها بحيث لم يعد كما رأينا أعلاه في أثينا القديمة.

لقد تميزت روما القديمة بالمقدرة الكبيرة على صياغة أفكارها وضبطها وتقنينها (صياغتها في قوانين). وهذا ما فعلته فيما يتعلق بمفهوم المواطنية. فقد كانت قبل كل شيء وضعا قانونيا يمتلك ضمن شروط محددة بدقة ويوصل إلى ميزات وواجبات محددة. تبلورت بأشكال ثلاثة:

1ـ منح حقوق سياسية. حق الانتخاب والترشيح. حق استئناف الأحكام الجنائية, التي يعتبرها المواطن ظالمة, أمام الشعب. وهو ما يعتبر ضمانا من تعسف القضاة. وضمان أنه لا يخضع لحكم دون محاكمة عادلة.

2ـ حقوق مدنية مهمة جدا . تشمل الحقوق التجارية.

3 ـ أعباء مفروضة على المواطن متمثلة بالالتزامات والواجبات. هذه الواجبات مفروضة بالضرورة . وكان المواطن يسعى للالتزام بها لان تنفيذها كان يحقق له مكانة في المجتمع. ويرجو من ذلك تحقيق مركز لائق به.

فالمواطنية تجعل من المواطن جزءا من الحاضرة ـ الدولة. لها عليه التزامات وواجبات وله عليها حقوق ومكتسبات. غير أن حق المواطنية التي توسع عدد حاملوها مع توسع الإمبراطورية الرومانية كما اشرنا أعلاه لم توفر لمواطني المناطق التي خضعت للإمبراطورية حقوق المواطنية الكاملة . مما جعلهم لا يكفون عن المطالبة بالمساواة مع المواطنين الرومان طيلة تلك العهود.

لقد كان المواطن الروماني فخورا بمواطنيته يعتز بها لما وفرت له من حرية وكرامة فقد ضمنت له حقوقه الشخصية والسياسية و المساواة أمام القانون. صنعت منه جنديا في زمن الحرب. ورجل سياسة في زمن السلم. رجل مواطن يحب مجتمعه وينتظر الكثير منه. و تعمق الإحساس بها لتصبح حالة ذهنية.

مع المسيحية احتجب مفهوم المواطنية لفترة طويلة. ليعود للظهور بصيغة جديدة مع الثورة الأمريكية, ثم, وبشكل خاص, مع الثورة الفرنسية. وقد مهد لذلك الظهور بروز عوامل عديدة ساهمت في إعادة اكتشافها منها:

ترجمة أعمال أرسطو , وخاصة كتاب السياسة. وتدريس القانون الروماني في الجامعات. وتطور الفاعليات الاقتصادية. و كانت في أساس المطالبة بمنح الحريات الجديدة في حاضرات القرون الوسطى.
ومع الثورة الإنكليزية, وبشكل خاص عبر كتابات توماس هوبز " المواطن أو عمل السياسة ". كما أن فلاسفة القرن الثامن عشر كانوا يطرحون تساؤلاتهم حول مفهوم المواطنية دون انقطاع. وبقي حق التصويت غير مرتبط بالمواطنية حتى عشية قيام الثورة الفرنسية.

وقد ساهمت, بشكل أساسي, كتابات مونتسكيو , روح القوانين, و جان جاك روسو العقد الاجتماعي وغيرها, في توازن السلطات, و تعزيز فكرة سمو "الإرادة العامة" على السلطة الملكية المطلقة , وهذا ما هيأ لقدوم مفهوم جديد "للمواطن". و تعززت المواطنية في إطار الدول القومية التي قامت في فرنسا وفي العديد من الدول الأوروبية.

لم يميز إعلان حقوق الإنسان والمواطن الصادر عن الثورة الفرنسية في 26 أوت (أب) 1789 الإنسان عن المواطن. لكن دستور 24 جوان (حزيران) 1793 أوضح في مادته السابعة أن " الشعب السيد هو عموم المواطنين الفرنسيين". ووضحت المادة الرابعة منه أن :
" ـ كل شخص مولود ومقيم في فرنسا,
ـ يبلغ من العمر 21 عاما
.ـ كل أجنبي يبلغ من العمر 21 عاما ويقيم في فرنسا منذ عام, ويعيش من عمله.
ـ أو له ملكية فيها.
ـ او متزوج من فرنسية.
ـ أو متبنى لطفل. أو يعيل مسنا.
يمنح حقوق المواطن الفرنسي".

لم يكن إعلان حقوق الإنسان والمواطن المذكور مجرد حامل إصلاحات وتعديلات على الأفكار السابقة عليه, أو تغييرات في هيكلية وآلية عمل النظام القديم وتجاوزاته, إنما جاء, كما تعتبر الغالبية العظمى من الكتاب, نصا تأسيسيا له محتوى عام. ويعني الإنسان بصفته هذه أينما كان موقعه وبلده. وبهذا اكتسب صفة العالمية بطابعه المجرد. فاعتبر حقوق الإنسان والمواطن حقوقا طبيعية, مقدسة, لا يمكن التصرف فيها. أعلنت مادته الأولى أن " الناس يولدون أحرارا ومتساوين في الحقوق". و تقرر المقدمة أن إهمال واحتقار الحقوق الطبيعية للإنسان كانا في اصل كل المآسي. وان الشعب الفرنسي مصمم على عرض حقوق الإنسان والمواطن, المقدسة وغير القابلة للتصرف فيها, في إعلان عام بهدف تمكين كل المواطنين من مقارنة كل أعمال الحكومة بأهداف جميع المؤسسات الاجتماعية, وعدم تركهم ضحايا لقهر الطغاة.

لقد استند مفهوم المواطنية إلى قيم, وحددت له غايات. فقد كانت أثينا القديمة تسند ه إلى الآلهة والأساطير. وروما القديمة إلى روح القانون وجوهره. وتعيده دويلات القرون الوسطى إلى متطلبات الحريات الجديدة. والثورة الفرنسية إلى قيم: "الحرية المساواة. الاخاء". ولم تكن المواطنية مجرد حقوق تمنح للمواطنين وواجبات تقع على عاتقهم إلا لأنهم يشعرون بأنهم أعضاء في مجتمع توجهه قيم مشتركة, حتى ولو كانت غير مجمع عليها.

وظل الفكر الليبرالي, ولفترة طويلة , يتنكر لضرورة نهج سياسة اجتماعية. وكان يربط بين الملكية والمواطنية مستوحيا فكرة لوك القائلة أن " الغاية الأساسية التي يقصدها الأفراد بإقامتهم للدول وبخضوعهم للحكومات, هو حماية الملكية .

أما جان جاك روسو فقد اعتبر أن المواطنية تستند على عقد اجتماعي, صريح أو ضمني, يربط مواطني المجتمع المشترك بعضهم ببعض. " كل واحد منا يضع نفسه وكل قوته, تحت إدارة إرادة عليا مشتركة".

وتميزت المواطنية بالتطور والحركة. وهذا ما يتبين من مسيرتها التاريخية التي تشير إلى أن كل مرحلة قدمت مساهمة أغنت مفهومها, رغم وجود فترات شهدت فيه انحسار هذا المفهوم. كما شهدت تناقضات ناشئة عنه. نذكر هنا تفجر كل المتناقضات الاجتماعية, وبأشكال عنيفة, في فترة الثورة الفرنسية في الوقت نفسه الذي عرف فيه مفهوم المواطنية تألقه وشموله.

ظهرت محاولات لتعريف المواطنية اذ كتب جان جاك روسو: يأخذ المشاركون (في المجتمع) كمجموعة اسم الشعب. ويسمى المشاركون في السلطة السيادية مواطنون. ويسمون رعية لخضوعهم لقوانين الدولة .. هذه الكلمات رعية/ سيد
souverain متطابقة. الفكرة فيها تتضمنها كلمة واحدة: مواطن.

وكتب, حديثا, جورج بيردو " ليس المواطن هو الفرد الحقيقي بضعفه, بأنانيته, بعدم وضوح رؤيته وبحماسه. إنما هو الرجل المستنير بنور العقل , المتحدث بمقتضى مستلزمات هذا العقل المشترك لدى الجميع, وبالنتيجة هو المتحرر من الأحكام المسبقة للطبقة. ومن الهموم المادية في واقعه الاقتصادي. قادر على إبداء الرأي في الشؤون العامة دون أن يكون خاضعا لمصلحته الشخصية".

ويرى انيسات لو بورس في كتابه " المواطنية « , أن المواطنية مثل الديمقراطية والمجتمع, نتاج المتناقضات والتسويات. المنازعات والتوافق . قيم مشتركة ومجابهات أفكار تتكافل وتتعارض". مضيفا: نؤيد كليا القول بان المواطنية تتميز عن الوطنية التي تتضمنها مع ذلك, بأنها ليست فقط مكونة من قواعد حسن سلوك في المجتمع. فهي تفترض وجود قيم يمكن أن تتجادل علانية, ولكنها مع ذلك معترف بها كمرجع أساسي من قبل مجموع المواطنين. هذه القيم مثل حال مجموع وسائل ممارسة المواطنية , مختلفة من وطن لآخر, ومتطورة على المدى البعيد. (المرجع السابق).

ومع ذلك يبقى تعريف المواطنية عمل يبتعد عنه غالبية الكتاب, معتبرين أن كل التعاريف أو المقاربات أكانت قانونية, أم سياسية, أم اجتماعية, أم تاريخية, أم فلسفية, تواجه إشكاليات تتعلق بخصائص هذا المفهوم. وخاصة عندما يمكن اعتبار المواطن من الناحية القانونية مشرع. فهو مع غيره من المواطنين يشرع القوانين. فهو ناخب يملك حق التصويت لاختيار ممثليه في السلطة التشريعية. ويمارس بالتالي عن طريقهم تشريع القوانين.( وهذا ما أشارت إليه المادة السادسة من إعلان حقوق الإنسان والمواطن الفرنسية) كما يشارك في بناء المؤسسات السياسية. ويملك أهلية المشاركة في القضاء, بان يكون محلفا أو خبيرا قضائيا. أو عضوا في مجلس الأسرة. أو مستشارا قضائيا. وهو شخص قانوني يمارس حقوقه ويخضع للواجبات. فالمواطنية إذن, من هذا المنظور, مفهوم قانوني وسياسي. لان المواطن يساهم في تشريع القوانين التي عليه أن يخضع لها.

ومن المنظور السياسي ليست المواطنية مجرد ممارسة لحق الانتخاب, فالمواطن بمقتضى المواطنية يتمتع بحقوق تخوله ممارسة فاعليات سياسية, مثل حق الإضراب, الذي اعتبره المجلس الدستوري الفرنسي حق له الصفة الدستورية, مثل مبدأ استمرارية الخدمة العامة. (1979). والتظاهر.و تشكيل أحزاب سياسية وجمعيات ونقابات. فيعتبر التشكيل والعمل النقابي على انه المواطنية في المشاريع. وغير ذلك من النشاطات الاجتماعية ـ السياسية . وان يعبر عن آرائه بكل الوسائل التي تندرج تحت مبدأ الحريات العامة والخاصة.

ومن المنظور الاقتصادي, ليست المواطنية, كما اشرنا, محصورة في المجال السياسي, وممارسة الحقوق الوطنية. فهي تشمل كل المجالات التي تخص الحياة الاجتماعية. ومنها علاقات العمل التي أخذت أبعادا جديدة بعد ازدياد أعداد العمال والموظفين. فالاختيارات التي تطال السياسة الاقتصادية تؤثر تأثيرا واضحا في المواطنية

من المنظور الاجتماعي. مع اتساع اللامساوة والفوارق الاجتماعية, وظاهرة تهميش أعداد كبيرة جدا من المواطنين يصبح مفهوم المواطنية لا يعني شيئا بالنسبة لهؤلاء. ونذكر هنا تهميش المواطنين الفرنسيين من أصول مهاجرة, وما يترتب على ذلك من صعوبات في الإدماج في المجتمع. ومن مشاكل متفجرة تنتظر الفرص المناسبة للتعبير عنها , و تصل غالبا إلى مجابهات عنيفة, ومطالبات مستمرة بالمواطنية الكاملة.

وحسب مايرى دومينيك سيشمبار المجتمعات الحديثة الديمقراطية والمنتجة تحمل مبدأين أساسيين للاندماج : المشروعية الديمقراطية للسلطة السياسية, و مركزة النشاط الاقتصادي,
النظام السياسي يبرر وجوده بالخضوع للقيم و بتطبيقات المواطنية. وبشكل خاص المساواة في الحقوق. والنظام الاقتصادي منظم حول المشاركة المباشرة أو غير المباشرة للإفراد في إنتاج السلع والثروات. حتى ولو كانت مشاركاتهم تختلف من حيث الإنتاجية وكانوا غير متساوين في الأجور. فالمجتمع الحديث قائم على كرامة المواطن .

كما ان المواطنية, حسب ما يرى, مبدأ تنظيمي وتكامل. تجعل من مجموع الأفراد على اختلاف أديانهم وأعراقهم ومستوياتهم ووظائفهم يجتمعون داخل جماعة المواطنين أحرارا ومتساوين. حتى مع تعدديتهم.

ويرى سيرج برستين (تاريخ الديمقراطية الليبرالية). إن الانتماء لدى المواطن يدفع المواطنين الأقل حظوة للمطالبة بالاستفادة من فوائد ومزايا قانونية, ومن حقوق سياسية. وقبول الأكثر حظوة بالتضامن مع من هم بحاجة للمؤازرة. ويسوق مثالا على ذلك التصويت في فرنسا على قانون التضامن الاجتماعي, عام 1988 ,الذي فرض مساعدات الحد الأدنى للدخل لصالح المواطنين الأقل حظوة. على أن يتم تمويلها من الضرائب على الثروة للتضامن.

وهكذا يمكن للمواطنية الديمقراطية أن تسهم بحلول مقبولة للحد من اللامساواة والتأزم الداخلي المعمم كنتيجة للنظام الاقتصادي السائد . ولكن التحديات التي تواجه المواطنية ليست فقط اجتماعية واقتصادية, فهي كذلك ثقافية. وتظهر أثارها في المجتمعات متعددة الثقافة, كما هو الحال في الغرب, مع وجود ثقافات المهاجرين. وأديانهم. وبناء الاتحاد الأوروبي بثقافاته المتنوعة وما يرتبه ذلك على مفهوم المواطنية الأوروبية.

أما فيما يتعلق بالمواطنية في العالم العربي فان السؤال الذي يطرح نفسه, بتفرعاته, هو.
1ـ من الناحية القانونية.
في غياب ما يلي:

ـ المساواة بين المواطنين أمام القانون.
ـ حق مثول المواطن أمام قاضيه الطبيعي.
ـ القانون العادي الذي ترك مكانه للقوانين العرفية وحالة الطوارئ.
ـ مبدأ فصل السلطات. حيث تهيمن السلطة التنفيذية على السلطة القضائية وعلى والقضاة.
ـ نزاهة القضاء. حيث المحاولات الدائمة للسيطرة على القضاة وإرهابهم وإفساد أدبياتهم.
déontologie والتدخل في طرق تعيينهم وعملهم وترقيتهم.

2ـ من الناحية السياسية.
في غياب ما يلي:

ـ الحريات الفردية والعامة وحقوق الإنسان.
ـ حرية التعبير بجميع إشكالها.
ـ حرية تشكيل الأحزاب السياسية والانتماء إليها.
ـ جمعيات المجتمع المدني والتشكيل الحر للنقابات المهنية.
ـ حرية الترشيح والانتخاب, في الانتخابات الوطنية والمحلية. واثر ذلك على قيام المجالس النيابية وصياغة القوانين. وتسيير الأمور المحلية.
ـ مشاركة المواطنين في اتخاذ القرارات المصيرية المتعلقة ببلدهم من حرب وسلم وعلاقات دولية.
ـ مشاركتهم في الشؤون الاقتصادية وفي الرقابة ومحاسبة المسؤولين عن التدهور الاقتصادي.
ـ مشاركتهم في الرقابة والتحقيق في الفساد والثراء غير المشروع وتحديد أسبابه ومحاربتها, وعدم الاكتفاء بادعاءات الفاسدين: هذا من فضل ربي.

3، من الناحية الإعلامية.
في غياب ما يلي:

ـ إعلام مستقل حر ومسؤول.
ـ الضمير المهني.
ـ الرأي الأخر.
ـ الانفتاح على العالم.
ـ فهم الغاية من وجود الإعلام.

4ـ من الناحية الإدارية.
في غياب ما يلي:

ـ تكافؤ الفرص في التوظيف الإداري ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب.
ـ تقديم الخدمات العامة مجانية ودون رشاوى أو إذلال للمراجعين.
ـ مراقبة الموظف المرتشي وعدم تمكينه من التحكم في الإدارة والسيطرة عليها
ـ الرقابة العامة على سير الإدارة من قبل محاكم إدارية حرة ونزيهة.

5ـ من الناحية التعليمية والتربوية.
في غياب ما يلي:

ـ الكادر المؤهل في جميع مراحل التربية والتعليم .
ـ المناهج العلمية الحديثة والوسائل الضرورية لتطبيقها.
ـ مراكز البحوث العلمية بشتى المجالات ولاختصاصات.
ـ استقلالية الجامعات وحصانتها وإغلاقها في وجه التدخلات الخارجية لرجال الأمن وكل من هو دخيل عليها, وأشباه الأساتذة.
ـ وسائل إبعادها عن تفريخ أشباه متعلمين ومثقفين ودعاة لأنظمة سياسية اقل ما يقال فيها انها غير مسؤولة.
ـ اعتماد مبدأ الكفاءة في إرسال البعثات التعليمية للخارج.
ـ الحرية الفكرية في الكتابة والنشر والنقد, في كل مراحل العملية التربوية التعليمية من الحضانة الى التخرج من الجامعات.

في غياب دولة القانون والديمقراطية والمؤسسات, أو مع وجودها الشكلي والمشوه,
في غياب كل ما ذكرنا, على سبيل المثال وليس الحصر, هل يوجد, إلى اليوم, مفهوم للمواطنية في العالم العربي ؟ وان وجد فماذا يعني؟.

هل ستسمو الثورات العربية بتضحياتها, وطرق هذه التضحيات التي لم يعرف التاريخ لها مثيلا, لتأخذ تسمية ثورات فعلية, إلى جعل المواطنية ركيزة أساسية للدول التي ستقوم على أنقاض الدول الشمولية الاستبدادية؟.

د. هايل نصر.


No comments:

Post a Comment